عقب لقاء مانشستر سيتي ضد ريال مدريد في إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، موسم 2023-2024، انتشرت صورة للمدرب الإسباني بيب جوارديولا على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يرتدي ساعة ثمينة من ماركة ريتشارد ميل، ثمَّنتها صحيفة الميرور بقيمة تتجاوز الـ1.4 مليون دولار.
وفي مطلع العام المنصرم، وبعد أيام من انتقاله إلى نادي النصر السعودي، ظهر النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بساعة على طراز سعودي، من ماركة جاكوب العالمية، اقتربت قيمتها من مليون دولار، وهي ساعة ابتُكرت خصوصًا له.
وبعيدًا عن القصتين السابقتين، ماذا إذا سألناك عن أشهر ماركة ساعات في العالم؟ بنسبة قد تتجاوز الـ90% ستكون إجابتك رولكس، فهي ساعة الأثرياء كما يُطلق عليها.
لعقود روَّجت رولكس لنفسها بأنها شركة الساعات التي تدعم الرياضة والرياضيين، فطبقًا لموقع رولكس الرسمي، فإن الشركة لها تعاقدات واسعة النطاق في مجالات الفروسية والجولف وسباق السيارات والتنس. وهنا يأتي سؤالنا: لماذا الرياضة بالتحديد؟ ولماذا لم نجد كرة القدم ضمن هذه الرياضات التي عدَّدها الموقع الرسمي لرولكس؟
عنوان صادم، لكن فكَّر قليلًا، ما الخدمة التي قد تقدمها ساعة تتجاوز قيمتها على الأقل مليون دولار؟ فقط ستخبرك بالوقت، وهي القيمة نفسها التي قد تُقدمها لك ساعة لا يتجاوز سعرها عشرة دولارات، لكن القصة تتخطى حاجز الزمن ذاك، وهنا يكمن السر.
رولكس هي ساعة الحلم، ببساطة لأنها القطعة التي تجعل كل شيء حولها يبدو ذا جاذبية لا تُقاوم، فهي ساعة المشاهير. فما السبب الذي جعلها تحظى بهذه المكانة؟
فقط التسويق الجيد هو كل ما تحتاجه لتصنع شركة ناجحة.
هانز ويلزدورف، مؤسس شركة رولكس.
منذ إطلاقها عام 1905 قامت رولكس ببناء علامتها التجارية تحت شعار الجودة والابتكار، لكن الشركة احتاجت لما هو أكبر من ذلك للترويج لها وسط العامة، فكان عالم الرياضة هو البيئة المثالية لذلك.
كانت البداية عام 1927 عندما اتفقت رولكس مع السباحة الإنجليزية مرسيدس جليتز على ارتداء أحدث ساعاتها أثناء تحدي عبور القناة الإنجليزية، وهو ما كان حدثًا مثاليًّا لاستغلاله، لم تفُزْ رولكس بذكر اسمها في كل الصحف فقط، وإنما بالترويج لمنتجها باعتباره الساعة التي صمدت تحت الماء قرابة 10 ساعات - وهي مدة عبور جليتز للقناة - مع حفاظها على دقة التوقيت، وعدم تسرب الماء من الهيكل الخارجي إلى التروس الداخلية.
منذ ذلك الحين لم يفترقا - رولكس والرياضة - بعضهما عن بعض، بل حرص مسئولوها على التواجد في كل الأحداث الرياضية المهمة وفق خططٍ مدروسة، فماذا كانت الخطوة التالية؟
تقدم رولكس نفسها بأنها شركة تصنيع ساعات استثنائية، تنتج قطعًا لأشخاص استثنائيين، ويتجسد هذا المبدأ في علاقتها بلعبة الجولف.
في عام 1967 بدأت رولكس شراكتها مع لاعب الجولف الأشهر حينها أرنولد بالمر، لتمتد هذه الرعاية لاحقًا إلى شراكات مع جاك نيكلوس وجاري بلاير، وهم المعروفون باسم الثلاثة الكبار في عالم الجولف خلال ستينيات القرن الماضي، وهي نفسها الشراكة التي أسست للعلاقة بين الرياضة والعلامات التجارية في العموم.
لم تكتفِ رولكس بذلك، بل انطلقت لرعاية كل الأحداث الرياضية التي تحمل طابع المغامرة، بدايةً من تسلق جبال الهيمالايا، ومرورًا بعبور القمم الجليدية القطبية، وكسر حاجز الصوت بالطائرات، واستكشاف أعماق المحيط. فكما تقول صحيفة ذا أثليتيك: «حوَّلت رولكس وجهتها من بيع منتجها إلى بيع القصة نفسها، وهي طفرة ستجعلها الشركة الأكثر رواجًا في عالم الساعات بحصة تقارب ربع سعة السوق».
وهذا هو نفس السبب الذي يجعل مصنعي الساعات يكافحون بكل قوتهم لرعاية الأحداث الرياضية الكبرى. فمثلًا شركة أوميغا ترعى الألعاب الأولمبية. وشركة تيسو ترعى سباق فرنسا للدراجات.
لكن من بين كل هؤلاء وحدها رولكس هي ما نجحت في أن تكون صانع الساعات الوحيد الذي يصل إلى قائمة فوربس للعلامات التجارية الأكثر قيمة، حيث قُدرت قيمتها عام 2020 بـ7.9 مليار دولار.
رولكس هي الشركة التي تتواجد منتجاتها في سواعد النخبة من الرياضيين والمشاهير، والراعي الرسمي لمعظم الأحداث الرياضية؛ روجر فيدرر (من أفضل لاعبي التنس في التاريخ)، تايجر وودز (من أشهر لاعبي الجولف في التاريخ)، أنيكا سوربون ستام (من أشهر لاعبات الجولف في التاريخ)، وغيرهم من نجوم هوليوود، والكتَّاب المشهورين، اشتركوا جميعًا في أن رولكس كانت متواجدة برفقتهم إبان التتويج ببطولة عالمية أو بجائزة مرموقة.
ركَّزت رولكس جهودها على رعاية رياضات مثل التنس والجولف واليخوت والفروسية والفورميلا 1؛ وحرصت على اختيار نجومها بعناية، وكذا الجمهور المستهدف للانضمام إليها. بمعنى آخر، أرادوا دائمًا الوقوف أمام جمهور يمكنه بالفعل شراء ساعة رولكس.
لكن لحظة، أين نجوم كرة القدم؟ لماذا لا نرى اسمًا شهيرًا كماردونا وميسي في هذه الأسماء؟ هل تكره رولكس كرة القدم؟
لعبة العامة، وأفيون الشعوب، هكذا تُوصف كرة القدم، ويُحتفى باللعبة الأشهر في العالم، لكنها الأسباب نفسها التي لم تجعل كرة القدم وذويها مطمعًا لرولكس.
في خمسينيات القرن الماضي وبينما كانت رولكس تُروج لنفسها بأنها ساعة الأثرياء، كان لاعبو كرة القدم يتقاضون نفس رواتب المعلمين، طبقًا لفوربس. كان من الطبيعي أن يستقل هؤلاء اللاعبون الحافلات العامة أثناء ذهابهم للمباريات، حتى اللاعب الأشهر في العالم حينها، بيليه، لم يمتلك سيارة فارهة من الطراز الأول.
على النقيض كانت رولكس علامة تجارية؛ لذا كانت الوجهة نحو رياضات تتمتع أيضًا بدرجة من التفرد والهيبة التي لا تتمتع بها الرياضات الشعبية مثل كرة القدم. فكر قليلًا في تقاليد ويمبلدون الصارمة، أو فخامة سباق الجائزة الكبرى للفورميلا وان في موناكو، ستجد نفسك تفكر أيضًا في رولكس.
هناك عامل آخر يؤثر على قرار رولكس بتجنب كرة القدم والرياضات الجماعية الأخرى، تشترك كل من التنس والجولف والفورمولا 1 في شيء واحد؛ فهي تمثل البطل الرياضي الفردي. فكر في الأمر، مقابل كل انتصار من انتصاراته العشرين في البطولات الأربع الكبرى ارتدى روجر فيدرر ساعة رولكس جديدة أثناء استلام الكأس.
توفر هذه الرياضات الفردية فرصًا متكررة لاستمرار عرض رولكس على منصات التتويج وحفلات توزيع الجوائز. إلى جانب جاذبية هذه الرياضات، وكما ذكرنا سابقًا، مستوى الجمهور الذي تجتذبه.
لكن ومع تغير الزمن، وعلو شأن لاعبي كرة القدم هل تغيرت استراتيجية رولكس؟
في الوقت الحالي، ثلاثة من أعلى خمسة رياضيين أجرًا في العالم هم من لاعبي كرة القدم، ومتوسط الأجر الأسبوعي للاعب كرة قدم في الدوري الإنجليزي الممتاز يقارب سعر ساعة رولكس ماركة كرونوغراف رويال أوك الجديد.
أما بالنسبة للجماهير، فإن كرة القدم لم تعد حكرًا على الطبقات العاملة. يوجد الآن الجمهور من نوعية حاملي التذاكر الموسمية في الأندية الكبرى، الجمهور صاحب الباقات الفاخرة التي توفر لك مقاعد فاخرة وأطعمة شهية بدلًا من الوقوف على مصدات خرسانية غير آدمية.
مؤخرًا اعترف صانعو الساعات الفاخرة الآخرون تدريجيًّا بهذا التحول الاجتماعي والاقتصادي، فمثلًا يسوق ليونيل ميسي لـAudemars Piguet، وكيليان مبابي لـHublot، ورونالدو لـTAG Heuer، وديفيد بيكهام للعلامة التجارية الشقيقة لرولكس، تيودور.
لم تعترف رولكس حتى الآن بهذا التحول، وهو شيء غريب على عقليتها التسويقية منذ نشأتها؛ إذ اعتادت أن تكون حيثما يكون الحدث، اعتادت أن تصنع هي الحدث بنفسها لتكتمل سطور القصة التي تبيع فصولها للمستهلك، فهل تقتلها الرياضة وعلى يد كرة القدم كما أحيتها أول مرة؟